قال أبو حامد: وهذه درجة الصدّيقين في الفهم والوجد وهى أعلى الدرجات، لأن السماع على الأحوال وهى ممتزجة بصفات البشرية نوع قصور، وإنما الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه وأحواله. أعنى أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها كما لم يكن للنّسوة التفات الى اليد والسّكّين. فيسمع بالله، ولله، وفي الله، ومن الله؛ وهذه رتبة من خاض لجّة الحقائق وعبر ساحل الأحوال والأعمال واتّحد بصفاء التوحيد وتحقّق بمحض الإخلاص فلم يبق فيه منه شىء أصلا، بل خمدت بالكليّة بشريّته وفنى التفاته إلى صفات البشرية رأسا. قال: ولست أعنى بفنائه فناء جسده بل فناء قلبه، ولست أعنى بالقلب اللحم والدم بل سرّ لطيف له إلى القلب الظاهر نسبة خفيّة وراءها سرّ الرّوح الذى هو من أمر الله عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ولذلك السرّ وجود. وصورة ذلك الوجود ما يحضر فيه فإذا حضر فيه غيره فكأنه لا وجود إلا للحاضر. ومثاله المرآة المجلوّة، إذ ليس لها لون في نفسها بل لونها لون الحاضر فيها. وكذلك الزجاجة فإنها تحكى لون قرارها ولونها لون الحاضر فيها وليس لها في نفسها صورة بل صورتها قبول الصّور ولونها هو هيئة الاستعداد لقبول الألوان. قال: وهذه مغاصة من مغاصات علوم المكاشفة منها نشأ خيال من ادّعى الحلول والاتحاد. هذا ملخّص ما أورده في مقام الفهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
المقام الثانى- بعد الفهم والتنزيل الوجد.
قال الإمام الغزالىّ رحمه الله تعالى:
قال الإمام الغزالىّ رحمه الله تعالى:
وللناس كلام طويل في حقيقة الوجد أعنى الصوفيّة والحكماء الناظرين في وجه مناسبة السّماع للأرواح فلنتقل من أقوالهم ألفاظا ثم لنكشف عن الحقيقة فيه.