للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث- أن يستعار المحسوس للمعقول كاستعارة النور الذى هو محسوس للحجّة، واستعارة القسطاس للعدل، وكقوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ

فالقذف والدمغ مستعاران، وقوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ

استعارة لبيانه عما أوحى اليه كظهور ما فى الزجاجة عند انصداعها، وكلّ خوض فى القرآن العزيز فهو مستعار من الخوض فى الماء، وقوله تعالى: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ

جعل لهما طاعة وقولا.

الرابع- أن يستعار اسم المعقول للمحسوس

على ما تقدّم ذكره فى التشبيه كقوله تعالى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ

فالشهيق والغيظ مستعاران، وقوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها

والأقوال فى الاستعارة كثيرة، وقد أوردنا فيها ما يستدلّ به عليها.

[وأما الكناية]

قال: اللفظة إذا أطلقت وكان الغرض الأصلىّ غير معناها فلا يخلو: إما أن يكون معناها مقصودا أيضا ليكون دالّا على ذلك الغرض الأصلىّ وإما أن لا يكون كذلك.

فالأوّل هو الكناية، ويقال له: الإرداف أيضا.

والثانى المجاز.

فالكناية عند علماء البيان أن يريد المتكلّم إثبات معنى من المعانى لا يذكره باللفظ الموضوع له فى اللغة، ولكن يجىء الى معنى هو تاليه «١» وردفه فى الوجود فيومى به اليه، ويجعله دليلا عليه، مثال ذلك قولهم: طويل النجاد وكثير رماد القدر، يعنون به أنه طويل القامة، كثير القرى، ومن ذلك قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ

كنى بنفى قبول التوبة عن الموت على الكفر.