للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأمرّ من العلقم إذا عجمها الحكيم؛ وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها، وما تأتى به من العجائب أكثر مما يحيط به الواعظ. اللهم أرشدنا للصواب.

وخطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال: أيها الناس، إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدّقون [به [١]] فإنكم حمقى، وإن كنتم تكذّبون به إنكم لهلكى [٢] ؛ إنما خلقتم للأبد، ولكنكم من دار الى دار تنقلون. عباد الله، إنكم فى دار لكم فيها من طعامكم غصص، ومن شرابكم شرق، لا تصفو نعمة تسرّون بها إلا بفراق أخرى تكرهون فراقها، فاعملوا لما أنتم صائرون إليه خالدون فيه. ثم غلبه البكاء ونزل.

[ذكر بيان الزهد وأقسامه وأحكامه]

فأمّا درجاته فقد قال الغزالىّ رحمه الله: إنها تتفاوت بحسب تفاوت قوّته على درجات ثلاث:

الأولى وهى السفلى منها: أن يزهد فى الدنيا وهو لها مشته، وقلبه إليها مائل، ونفسه إليها ملتفتة ولكنّه يجاهدها ويكفّها، وهذا يسمّى التزهّد، وهو مبدأ الزهد فى حقّ من يصل الى درجة الزهد بالكسب والاجتهاد. والمتزهّد يذيب أوّلا نفسه ثم كسبه، والزاهد يذيب أوّلا كسبه ثم يذيب نفسه فى الطاعة لا فى الصبر على ما فارقه. والمتزهّد على خطر، فإنه ربما تغلبه نفسه وتجذبه شهوته فيعود إلى الدنيا وإلى الاستراحة بها فى قليل أو كثير.

الثانية: الذى يترك الدنيا طوعا [٣] لاستحقاره إياها بالإضافة إلى ما طمع فيه كالذى يترك درهما لأجل درهمين فإنّه لا يشقّ عليه ذلك وإن كان يحتاج


[١] زيادة عن الإحياء.
[٢] الذى فى الإحياء: «وان كنتم تكذبون به فإنكم هلكى» .
[٣] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «طاعة» .