للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما قيل فيمن يعتمد على مشورته وبديهته، ويعتضد بفكرته ورويته]

قال بعض الحكماء: عليك بمشورة من حلب أشطر دهره، ومرّت عليه ضروب خيره وشرّه؛ وبلغ من العمر أشدّه، وأورت التجربة زنده. وقيل: استشار زياد رجلا؛ فقال الرجل: حقّ المستشار أن يكون ذا عقل وافر، واختبار متظاهر، ولا أرانى كذلك. قال إبراهيم بن العبّاس:

يمضى الأمور على بديهته ... وتريه فكرته عواقبها

فيظلّ يصدرها ويوردها ... فيعمّ حاضرها وغائبها

وإذا الحروب علت بعثت لها ... رأيا تفلّ به كتائبها

رأيا إذا نبت السيوف مضى ... قدما بها فسقى مضاربها

وقال آخر:

ألمعىّ يرى بأوّل رأى [١] ... آخر الأمر من وراء المغيب

لا يروّى ولا يقلّب كفّا ... وأكفّ الرجال فى تقليب

وقال آخر [٢] .

الألمعىّ الذى يظنّ بك الظّ ... نّ كأن قد رأى وقد سمعا

وكانت العرب تحمد آراء الشيوخ لتقدّمها فى السن، ولأنها لا تتبع حسناتها بالأذى [٣] والمنّ، ولما مرّ عليها من التجارب التى عرفت بها عواقب الأمور، حتى


[١] فى ديوان ابن الرومىّ: بأول ظنّ.
[٢] القائل هو أوس بن حجر؛ وهذا البيت من قصيدة له فى الرثاء ذكرها القالى فى أماليه (ج ٣ ص ٣٥) مطلعها:
أيّتها النفس أجملى جزعا ... إن الذى تحذرين قد وقعا
[٣] فى الأصل: «إلا بالأذى ... » والسياق يقتضى حذف «إلا» .