ريّا الجداول، باردة الضحى والأصائل؛ وطفت بكعبة الفضل مصونة الحبر «١» ، ملثومة الحجر؛ عزيزة المقام، معمورة المشعر الحرام؛ فما شئنا من محاضرة، تجمع بين الدنيا والآخرة؛ بين يدى نثر يدنى الإعجاز، ونظم ما أشبه الصدور بالأعجاز؛ وحديث تثقّف العقول بآرائه «٢» ، وتروّى بصافى مائه؛ فحين شمخ بالظّفر أنفى، واهتزّ لنيل الأمل عطفى- والدهر يضحك سرّا، ويتأبّط شرّا؛ وقد أذهلنى الجذل عن سوء ظنّى به، وأوهمنى نزوعه «٣» عن ذميم مذهبه- أتت ألوانه، وفسا «٤» ظربانه؛ ونادى: ليقم من قعد، وينتبه من رقد؛ إنما فترت تلك الفترة، ليكون ما رأيت عليك حسرة؛ وسمحت لك مرّة، لتذوق من الأسف عليها كأسامرّة؛ فرأيت وقد غطّى على بصرى، وعقلت وكنت فى عمياء من خبرى؛ وقلت: هو الذى أعهده من لؤمه، وأعرفه من شؤمه؛ فما وهب، إلا وسلب؛ ولا أعطى، إلا ساعات كإبهام القطا؛ فيا له من قادر ما ألأم قدرته، وذابح ما أحدّ شفرته! ولو تسلّط علينا، من يظهر شخصه إلينا، لأدركته رماحنا، [وعصفت به رياحنا «٥» ] ؛ لكنه أمير من وراء سجف، يسعى بلا رجل ويصول بلا كفّ.
ومن كلام الوزير الكاتب أبى محمد بن عبد الغفور الى بعض إخوانه-
وكان قد وصف له امرأة ومدحها وحضّه على زواجها، وكان لذلك الصديق امرأة سوداء- فأجابه ابن عبد الغفور: