وقال له: كم ألقيت فى النار؟ قال: إبراهيم وحده. فعجب وعجبت الناس وقال: اذهبوا وانظروا من القاعد على السرير ومن إلى جنبه وحوله. فأتوا فإذا هم بإبراهيم على أحسن صورة، فأخبروا نمروذ، فقال: ائتونى به. فقالوا: لا نستطيع الوصول إليه لحرّ النار. فنادوه: يا إبراهيم، أخرج إلينا. فخرج إلى نمروذ وقال له: ما أعجب سحرك يا إبراهيم! قال: ليس هذا بسحر، وإنما هو من قدرة الله تعالى. قال: فمن الّذى عن يمينك؟ قال: ملك جاءنى من عند ربّى بشّرنى انّ الله اتّخذنى خليلا. فقال نمروذ: لأصعدنّ إلى السماء وأقتل إلهك.
[ذكر خبر صعود نمروذ إلى السماء على زعمه]
قال: وأمر نمروذ أن يتّخذ له تابوت مربّع، ويكون له بابان: باب إلى السماء وباب إلى الأرض، وجوّع أربعة نسور، وسمّر أربعة رماح فى أركان التابوت، وعلّق اللحم فى أعلاها، وشدّ النسور بأوساطها إلى الرماح، وجلس فى التابوت ومعه وزيره، وحمل معه قوسا ونشّابا، وأطبق البابين، فرفعت النسور رءوسها فنظرت إلى اللّحم، فطارت صاعدة، وارتفعت فى الهواء؛ فقال لوزيره:
افتح الباب الذى يلى الأرض وانظر كيف هى؟ قال: أراها كأنّها قرية. قال:
فأنظر إلى السماء. فقال: هى كما رأيناها ونحن فى الأرض. ولم يزل يصعد حتى قال: أما الدنيا فلا أراها إلا سوادا ودخانا، والسماء كما رأيناها.
وارتفعت النسور حتى كادت تسقط إلى الأرض؛ فعارضه ملك وقال: ويلك يا نمروذ؛ إلى أين؟ قال: أريد محاربة إله إبراهيم. قال: ويحك، إنّ بينك وبين سماء الدنيا خمسمائة عام، ومن فوق ذلك ما لا يعلمه إلّا الله. فخرّ الوزير ميتا؛ فأخذ نمروذ القوس ووضع فيه السهم، وقال: أنا لك يا إله إبراهيم، ورمى بالسهم إلى الهواء، فيقال: إنّ ذلك السهم عاد إليه ملطّخا بالدم بإذن الله.