وكان لنمروذ تنّور من حديد يحرق فيه من غضب عليه، فأمر به فأسجر فطرح إبراهيم فيه، فلم تضرّه النار بقدرة الله؛ فلمّا رأى نمروذ ذلك جمع أهل مملكته واستشارهم، فأشاروا أن يحبسه ويجمع له الحطب الكثير، ويضرم فيه النار، ثم يلقيه فيه إذا صار جمرا. وقالوا: إنّه لا يقدر يسحر النار الكبيرة، ولا يعمل سحره فيها.
فعند ذلك حبسه وأمر بجمع الأحطاب؛ فيقال: إنّ الدوابّ امتنعت من حملها إلّا البغال، فأعقمها الله عقوبة لذلك؛ فجمعوا من الأحطاب ما لا يحصى كثرة؛ وأمر أن تحفر حفيرة واسعة، وبنى حولها حائطا عاليا، وألقى فيها تلك الأحطاب وأضرم فيها النار والنّفط ثلاثة أيّام، فكان لهبها يصيب الطائر فى الجوّ فيحرق.
قال: وهمّوا بطرح إبراهيم فيها، فلم يقدروا يقربوا منها.
فيقال: إنّ إبليس أتاهم فى صورة شيخ، وصنع لهم المنجنيق، ولم يكونوا يعرفونه قبل ذلك، ووضعوا إبراهيم فى كفّة المنجنيق، ورموا به وهو يدعو الله أن ينصره عليهم؛ فعارضه جبريل وهو فى الهواء، وقال له: ألك حاجة يا إبراهيم؟
قال: أمّا إليك فلا، بل حسبى الله ونعم الوكيل.
فلمّا قرب من النار قال الله عزّ وجلّ: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.
قال ابن عبّاس- رضى الله عنهما-: لو لم يقل «وسلاما» لمات إبراهيم من شدّة البرد.
فبرد حرّها وأخضرت الأشجار التى احترقت ورست بعروقها.
فلمّا أصبح نمروذ جلس فى مكان مشرف ينظر إلى ما أصاب إبراهيم من النار؛ فكشف عن بصره فإذا هو برجل فى وسطها على سرير، عليه ثياب خضر وإلى جنبه رجل آخر؛ وخلق كثير وقوف من ورائهما؛ فدعا بصاحب المنجنيق