فقد قلت إذ أهلى وأهلك جيرة ... أثيبى بودّ قبل إحدى الصّفائق
أثيبى بودّ قبل أن تشحط النّوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإنى لا ضيعت سرّ أمانة ... ولا راق عينى بعد عينك رائق «١»
قال خالد: فغاظنى ما رأيت من غزله وشعره فى حاله تلك، فقدّمته فضربت عنقه، فأقبلت الجارية تسعى حتى أخذت برأسه فوضعته فى حجرها، وجعلت ترشفه وتقول:
لا تبعدن يا عمرو حيّا وهالكا ... ولا يبعدنّ المدح مثلك من مثلى «٢»
ولا تبعدن يا عمرو حيّا وهالكا ... فقد عشت محمود الثّنا ماجد الفعل
فمن لطراد الخيل تشجر بالقنا ... وللنّحر يوما عند قرقرة البزل «٣»
فما زالت تبكى وتردّد هذه الأبيات حتى ماتت، وإنّ رأسه لفى حجرها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لقد وقفت لى يا خالد وإن سبعين ملكا لمطيفون بك يحضّونك على قتل عمرو حتى قتلته» . والله أعلم.
[ذكر غزوة حنين، وهى إلى هوازن وثقيف]
غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى شوّال سنة ثمان من مهاجره، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما فتح مكّة، مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض، وحشدوا وأوعبوا وبغوا، وجمع أمرهم مالك بن عوف النّصرى، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، وأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حتى نزلوا بأوطاس «٤» ، وجعلت الأمداد تأتيهم.