للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر ما قيل فى الدّبّ

والدّبّ مختلف الطبائع، يأكل ما تأكله السّباع، ويرعى ما ترعاه الدوابّ، ويتناول ما يأكله الناس؛ وفى طبعه أنّه إذا كان أوان السّفاد خلا كلّ ذكر بأنثاه، والذكر يسفد أنثاه مضطجعة على الأرض، وهى تضع جروها فدرة لحم غير مميّز الجوارح، فتهرب به من موضع إلى آخر خوفا عليه من النّمل، وهى مع ذلك تلحسه حتى تنفرج أعضاؤه ويتنفّس، وفى ولادتها صعوبة، فيزعم بعض من فحص عن طبائع الحيوان أنّ الدّبّة تلد من فيها، وأنّها إنّما تلده ناقص الخلق شوقا إلى الذّكر وحرصا على السّفاد، وهى لشدّة شهوتها تدعو الآدمىّ الى وطئها؛ وفيما حكى لى أنّ إنسانا كان سائرا فى بعض الغياض لمقصده، فصادف دبّة، فأخذته وأومأت إليه بالإشارة أن يواقعها، ففهم عنها وفعل، فلمّا فرغ عمدت الى أقدامه فلحست مواطئها حتّى نعمت «١» ، ولم تزل تكرّر لحسها وتمرّ بلسانها عليها حتّى بقى الرجل يعجز عن الوطء بها على الأرض، فعند ذلك أمنت هربه وتركته، فكانت تغدو وتتكسّب وترجع إليه بما يأكله وهو يواقعها، وهى تتعاهد «٢» لحس رجليه، فلم يزل كذلك حتّى مرّ عليه جماعة من السّفر، فناداهم، فأتوه وحملوه على دوابّهم وساروا به. قالوا:

والأنثى اذا هربت من الصيّادين جعلت جراءها بين يديها، فإذا اشتدّ خوفها عليهم بأن أدركها من يطلبها صعدت بأولادها إلى الأشجار؛ وفى الدّبّ من القوّة والشدّة ما يقطع العود الضخم من الشجرة العاديّة «٣» التى لا تقطعها الفأس إلّا بعد تعب،