قال: ودخلت أمّه الغار فوجدت فيه جميع ما تحتاج إليه، وخفّف الله عنها الطلق، فولدته فى ليلة جمعة، وهى ليلة عاشوراء؛ فلمّا سقط إلى الأرض قطع جبريل سرّته، وأذّن فى أذنه، وكساه ثوبا أبيض؛ ثم عاد بها الملك إلى منزلها فرجعت خفيفة كأن لم تلد، وقال لها الملك: اكتمى أمرك وما قد رأيت. فدخلت منزلها، وجاء تارح فرآها نشطة خفيفة، فقالت: إن الذى كان فى بطنى لم يكن ولدا، وإنّما كانت ريحا وقد انفشّت عنّى. ففرح بذلك، وألقى الله تعالى على نمروذ النسيان فى أمر إبراهيم؛ فلمّا كان فى اليوم الثالث خرجت أمّه إلى الغار فرأت الوحش والسباع على بابه، فتوهّمت أن يكون هلك؛ فدخلت فرأته على فراش من السندس، وهو مدهون مكحول، فتحيّرت وعلمت أنّ له ربّا، ورجعت إلى منزلها وأخبرت تارح الخبر، فنهاها عن العود إلى الغار، فكانت تروح إليه سرّا فى كلّ ثلاثة أيّام تنظر إليه وتعود، حتى تمّ له حولان، فأتاه جبريل بطعام من الجنّة، فأطعمه وسقاه؛ فلمّا استكمل أربع سنين جاءه ملك بكسوة من الجنّة، وسقاه شربة التوحيد وقال: اخرج الآن منصورا.
ذكر خروج إبراهيم- عليه السلام- من الغار واستدلاله
قال: ولمّا قال له الملك ذلك خرج عند غروب الشمس، فجعل ينظر إلى السموات، فذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي
يعنى على سبيل الاستفهام، أى أهذا ربّى؟. فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى