فانصرف إلى منزله ولم يجسر أن يقرب امرأته؛ فأصبح وإذا بنور ساطع على وجهه؛ وكان هو الّذى يقرّب إلى الأصنام الطعام والشراب كلّ ليلة، وينصرف الى منزله فتأكله الشياطين؛ فقرّب الطعام إليها، فأقبلت الشياطين لتأكله، فرأوا الملائكة هناك فولّوا هاربين، وبقى الطعام على حاله؛ فلمّا أصبح تارح رآه على حاله فظنّ أن الأصنام ساخطة عليه، فعكف عليها لترضى عنه، فأبطأ عن منزله، فأتته امرأته؛ فلمّا خلت به فى بيت الأصنام تحرّكت شهوته، وهمّ بمواقعتها، فقالت:
ألا تستحى، أتفعل هذا بين يدى آلهتك؟ فواقعها، فحملت منه بإبراهيم- عليه السلام- فنكّست الأصنام، وظهر نجم إبراهيم وله طرفان: أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب؛ فعجب الناس منه؛ ورآه نمروذ فتحيّر؛ فلمّا أصبح سأل المنجّمين عنه، فقالوا: هذا نجم جديد طلع يدلّ على مولود جديد من أولاد الأكابر، يرتفع شأنه، ويخشى عليك منه. فهتف به هاتف يقول: يا عدوّ الله، هذا المولود قد حملت به أمّه والله مهلكك على يديه.
قال: فلمّا استكملت أمّة تسعة أشهر قالت لأبيه: إنى أحبّ أن أدخل بيت الأصنام فأسألها أن تخفّف عنّى أمر الولادة؛ فإذن لها فى ذلك، وتربّص بها إلى اللّيل خوفا أن يعلم الناس بحملها؛ فلمّا دخلت بيت الأصنام تنكّست عن كراسيّها فخرجت فزعة، فإذا هى بنمروذ فى قومه، وبين أيديهم الشّموع والمشاعل؛ فقال نمروذ: من هذا؟ قالت: زوجة عبدك تارح؛ فأراد أن يقول: اقبضوها فقال: خلّوها؛ فأقبلت إلى منزلها مذعورة، فجاءها الطلق، فأقبل إليها ملك من عند الله تعالى وقال: لا تخافى وانهضى فضعى ما فى بطنك. فتبعته حتّى أدخلها الغار، وهو الّذى ولد فيه إدريس ونوح- عليهما السلام-.