للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم تحلاق اللّمم

ويوم تحلاق اللّمم، إنما سمّى بذلك لأن الحارث بن عباد لمّا تولّى الحرب قال لقومه: احملوا معكم نساءكم يكنّ من ورائكم، فإذا وجدن جريحا منهم قتلوه، وإذا وجدن جريحا منّا سقينه وأطعمنه، فقالوا: ومن أين يتميّز لهنّ؟ فقال:

احلقوا رءوسكم لتمتازوا بذلك، ففعلوا، فسمّى به، فقال جحدر بن ضبيعة- وكان من شجعانهم-: اتركوا لمّتى وأقتل لكم أوّل فارس يقدمهم، فتركوه، وهو الذى قتل عمرا وعامرا التغلبيّان، طعن أحدهما بسنان «١» رمحه، والآخر بزجّه «٢» ، ثم صرع بعد ذلك، فلمّا رأته نساء بكر دون حلق ظنّوه من تغلب فأجهزوا عليه.

وفى هذا اليوم أسر الحارث بن عباد المهلهل عدىّ بن ربيعة وهو لا يعرفه فقال له: دلّنى على عدىّ وأخلى عنك، فقال له عدىّ: عليك العهد بذلك إن دللتك عليه، قال نعم، قال فأنا عدىّ، فجزّ ناصيته وتركه وقال فيه:

لهف نفسى على عدىّ ولم أع ... رف عديّا إذ أمكنتنى اليدان

وكان الحارث آلى ألّا يصالح تغلبا حتى تكلّمه الأرض، فلمّا كثرت وقائعه فى تغلب ورأت تغلب أنها ما تقوم له حفروا سربا تحت الأرض وأدخلوا فيه رجلا وقالوا له: اذا مرّ بك الحارث فغنّ بهذا البيت:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

فلما مرّ الحارث اندفع الرجل وغنّى بالبيت، فقيل للحارث قد برّ بقسمك فابق بقيّة قومك، فأمسك، فاصطلحت بكر وتغلب.