قال أبو الفرج: كانت جارية من مولّدات المدينة حلوة الوجه حسنة الغناء، قد أخذت عن الطبقة الأولى من المغنّين. وكان يحيى بن نفيس مولاها صاحب قيان، يغشاه الأشراف ويسمعون غناء جواريه. ثم اشتريت للمهدىّ، وهو ولىّ عهد، بسبعة عشر ألف دينار. وقيل: إنها ولدت له عليّة بنت المهدىّ وقيل: أمّ عليّة غيرها. قال: وكان عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير يأتيها فيسمع منها، وكان يأتيها فتيان قريش فيسمعون منها. فقال عبد الله بن مصعب حين قدم المنصور منصرفا إلى الحجّ ومرّ بالمدينة يذكر بصبص:
أراحل أنت أبا جعفر ... من قبل أن تسمع من بصبصا
هيهات أن تسمع منها إذا ... جاوزت العيس بك الأعوصا
فخذ عليها مجلسى لذّة ... ومجلسا من قبل أن تشخصا
أحلف بالله يمينا ومن ... يحلف بالله فقد أخلصا
لو أنها تدعو إلى بيعة ... بايعتها ثم شققت العصا
فبلغ الشعر أبا جعفر المنصور، فغضب ودعاه، ثم قال: أما إنكم يا آل الزبير قديما ما قادتكم [١] النساء وشققتم معهنّ العصا، حتى صرت أنت آخر الحمقى تبايع المغنيّات! فدونكم يا آل الزبير هذا المرتع الوخيم.
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك وهو ابن ذى الزوائد فيها:
بصبص أنت الشمس مزدانة ... فإن تبدّلت فأنت الهلال
سبحانك اللهمّ ما هكذا ... فيما مضى كان يكون الجمال