للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر ما قيل فى الأناة والرويّة

كانت العرب تحمد الأناة فى الرأى وإجالة الفكرة فيه وعدم التسرّع.

وكان عبد الله بن وهب الرّاسبىّ [١] يقول: إيّاى والرأى الفطير [٢] ! وكان يستعيذ [بالله [٣]] من الرأى الدّبرىّ؛ وهو الذى يسنح بعد الفوت.

وأوصى إبراهيم بن هبيرة ولده فقال: لا تكن أوّل مشير، وإيّاك والرأى الفطير؛ ولا تشيرنّ على مستبدّ، فإنّ التماس موافقته لؤم والاستماع منه خيانة.

وكان عامر بن الظّرب حكيم العرب يقول: دعوا الرأى يغبّ حتّى يختمر، وإيّاكم والرأى الفطير! يريد الأناة فى الرأى والتثبّت فيه. قال شاعر:

تأنّ وشاور فإنّ الأمو ... ر منها مضىء ومستغمض

فرأيان أفضل من واحد ... ورأى الثلاثة لا ينقض

وقال آخر:

الرأى كاللّيل مسودّ جوانبه ... والليل لا ينجلى إلا بإصباح

فاضمم مصابيح آراء الرّجال إلى ... مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح

وقال المتنبّى:

الرأى قبل شجاعة الشّجعان ... هو أوّل وهى المحلّ الثانى

فإذا هما اجتمعا لنفس حرّة [٤] ... بلغت من العلياء كلّ مكان

وقال طاهر بن الحسين:

اعمل صوابا تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذمّ لأهل الحزم تدبير


[١] فى الأصل «الرياشى» والتصويب عن الطبرى (ص ٢٤٧٨ من القسم الأوّل) ، والكامل للمبرد (ص ٥٤٣) ؛ والعقد الفريد (ج ١ ص ٢٥) .
[٢] الرأى الفطير: الذى أعجل به قبل أن يختمر.
[٣] زيادة عن العقد الفريد (ج ١ ص ٢٥) .
[٤] كذا فى ديوان المتنبى وفى الأصل «لنفس مرة» .