قد ذكرنا أن صاحب قفصة قدم على عبد المؤمن وهو يحاصر المهدية، وأطاعه، وما قاله عبد المؤمن لحاجبه عند قدوم أهل قفصة من إخبار المهدى عن قفصة. فلما كان فى سنة ثمان وستين وخمسمائة، دخلت طائفة من الترك من ديار مصر فى أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مع قراقوش مملوك تقى الدين. واجتمع إليه مسعود بن زمام وجماعة من العرب، ونزلوا على طرابلس وملكوها، واستولى على كثير من بلاد إفريقية.
فعند ذلك طمع صاحب قفصة «١» ونزع يده من الطاعة، واستبد بالأمر. ووافقه أهل بلده فقتلوا من عندهم من الموحدين وذلك فى شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. فكتب والى بجاية إلى أبى يعقوب بالخبر واضطراب أمور البلاد. فسد الثغور التى يخشى عليها بعد مسيره. وسار إلى إفريقية فى سنة خمس وسبعين، ونزل على مدينة قفصة وحصرها ثلاثة أشهر، وقطع أشجارها. فلما اشتد الأمر على صاحبها خرج منها مستخفيا لم يعلم به أحد من أهل البلد. وجاء إلى خيمة أبى يعقوب فاستأذن عليه. فأذن له وقد عجب من إقدامه على الدخول عليه بغير أمان. فدخل عليه واستعطفه وقال: «قد حضرت أطلب عفو أمير المؤمنين عنى