للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المهلّب لبنيه: يا بنىّ تباذلوا «١» تحابّوا، فإن بنى الأمّ يختلفون، فكيف بنى العلّات «٢» ؛ إنّ البرّ ينسأ فى الأجل، ويزيد فى العدد، وإنّ القطيعة تورث القلّة، وتعقب النار بعد الذّلّة؛ واتقوا زلّة اللسان، فإنّ الرجل تزلّ رجله فينتعش، ويزلّ لسانه فيهلك؛ وعليكم فى الحرب بالمكيدة، فإنّها أبلغ من النّجدة.

ولمّا استخلف ابنه المغيرة على حرب الخوارج، وعاد هو الى عند «٣» مصعب ابن الزّبير، جمع الناس فقال لهم: إنى قد استخلفت عليكم المغيرة، وهو أبو صغيركم رقّة ورحمة، وابن كبيركم طاعة وتبجيلا وبرّا، وأخو مثله مواساة ومناصحة، فلتحسن له طاعتكم، وليلن له جانبكم، فو الله ما أردت صوابا قطّ إلا سبقنى إليه.

[وخطب عبد الملك بن مروان،]

فلما بلغ الغلظة قام إليه رجل من آل صوحان فقال: مهلا مهلا يا بنى مروان، تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنهون، وتعظون ولا تتعظون؛ أفنقتدى بسيرتكم فى أنفسكم، أم نطيع أمركم بألسنتكم؟ فإن قلتم:

اقتدوا بسيرتنا، فأنّى وكيف، وما الحجّة، وما المصير من الله؟ أنقتدى بسيرة الظّلمة الفسقة الجورة الخونة، الذين اتخذوا مال الله دولا، وعبيده خولا؟ وإن قلتم:

اسمعوا نصيحتنا، وأطيعوا أمرنا، فكيف ينصح لغيره من يغشّ نفسه؟ أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت عند الله عدالته؟ وإن قلتم: خذوا الحكمة من حيث وجدتموها، واقبلوا العظة ممّن سمعتموها، فعلام وليّناكم أمرنا، وحكّمناكم فى دمائنا وأموالنا؟ أما علمتم أنّ فينا من هو أنطق منكم باللغات، وأفصح بالعظات؟