أخصبوا «١» لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا؛ [جمع «٢» ] وهم آحاد، جيرة وهم أبعاد؛ متناءون «٣» ، لا يزورون ولا يزارون؛ حلماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم؛ لا يرجى نفعهم، ولا يخشى دفعهم؛ وكما قال الله تعالى: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ
فاستبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسّعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنّور ظلمة، ففارقوها كما دخلوها، حفاة عراة فرادى، غير أن ظعنوا بأعمالهم الى الحياة الدائمة، وإلى خلود الأبد، يقول الله تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ
فاحذروا ما حدّركم الله، وانتفعوا بمواعظه، واعتصموا بحبله، عصمنا الله وإيّاكم بطاعته، ورزقنا وإيّاكم أداء حقّه.
ومن كلام أبى مسلم الخراسانى صاحب الدولة «٤» ،
قيل له: ما كان سبب خروج الدولة عن بنى أميّة؟ فقال: لأنهم أبعدوا أولياءهم ثقة بهم، وأدنوا أعداءهم تألّفا لهم، فلم يصر العدوّ بالدّنوّ صديقا، وصار الصديق بالبعاد عدوّا.
وقيل له فى حداثته: إنا نراك تأرق كثيرا ولا تنام، كأنك موكّل برعى الكواكب، أو متوقع الوحى فى «٥» السماء، فقال: والله ما هو ذاك، ولكن لى رأى جوّال، وغريزة