تامّة، وذهن صاف، وهمّة بعيدة، ونفس تتوق الى معالى الأمور، مع عيش كعيش الهمج والرّعاع، وحال متناهية من الاتّضاع، وإنى لأرى بعض هذا مصيبة لا تجبر بسهر، ولا تتلافى بأرق؛ قيل له: فما الذى يبرد غليلك، ويشفى إجاج «١» صدرك؟
قال: الظّفر بالملك؛ قيل له: فاطلب؛ قال: إن الملك لا يدرك إلا بركوب الأهوال؛ قيل: فاركب الأهوال؛ قال: هيهات، العقل مانع من ركوب الأهوال؛ قيل: فما تصنع وأنت تبلى حسرة، وتذوب كمدا؟ قال: سأجعل من عقلى بعضه جهلا، وأحاول به خطرا، لأنال بالجهل ما لا ينال إلّا به، وأدبّر بالعقل ما لا يحفظ إلا بقوّته، وأعيش عيشا يبين مكان حياتى فيه من مكان موتى عليه، فإن الخمول أخو العدم، والشهرة أبو الكون.
وكتب إليه عبد الحميد بن يحيى كتابا عن مروان بن محمد، وقال لمروان:
قد كتبت كتابا إن نجع فذاك، وإلّا فالهلاك، وكان لكبر حجمه يحمل على جمل، نفث فيه حواشى صدره، وضمّنه غرائب عجره وبجره «٢» ، فلمّا ورد على أبى مسلم دعا بنار فطرحه فيها إلّا قدر ذراع فإنه كتب عليه:
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... ليوث الوغى يقدمن من كلّ جانب
فإن يقدموا نعمل سيوفا شحيذة ... يهون عليها العتب من كلّ عاتب
وردّه، فأيس الناس من معالجته.
وقيل: إنه شجر بينه وبين صاحب مرو كلام أربى فيه صاحب مرو عليه، فاحتمله أبو مسلم وقال: مه، لسان سبق، ووهم أخطأ، والغضب شيطان،