على ناقته القصواء، ثم صدر يوم الصدر الآخر، وقال:«إنما هنّ ثلاث يقيمهنّ المهاجر بعد الصّدر» ، يعنى بمكة، ثم ودّع البيت، ثم انصرف راجعا إلى المدينة.
ذكر الخطبة التى خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
قال محمد بن إسحاق: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبته التى بيّن فيها ما بيّن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«أيها الناس، اسمعوا قولى، فإنى لا أدرى لعلّى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبدا. أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، وإن كلّ ربا موضوع، وإن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وأن ربا العبّاس بن عبد المطلب موضوع كله، وأن كلّ دم فى الجاهلية موضوع، وأن أوّل دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- وكان مسترضعا فى بنى ليث، فقتلته هذيل- فهو أوّل ما أبدأ به من دماء الجاهلية» .
«أما بعد، أيها الناس، فإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنّه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به، ممّا تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم» .
«أيها الناس، إن النّسىء زيادة فى الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرم الله فيحلّوا ما حرّم الله ويحرّموا ما أحلّ الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ورجب مضر الّذى بين جمادى وشعبان» .