فتحوّلوا من مدين إلى الأيكة، فتضاعف الحرّ عليهم، وتنقّلوا من الأودية إلى الغياض والحرّ يشتدّ عليهم، حتى اسودّت وجوههم، فأقبل إليهم شعيب ودعاهم إلى الإيمان؛ فنادوه: يا شعيب، إن كان ما نلقاه لكفرنا بك وبربك فزدنا منه فإنا لا نؤمن. فأوحى الله إليه أنّه مهلكهم، فتحوّل عنهم.
قال: ولما كان من غد يوم مقالتهم ما قالوه لشعيب وهو يوم الأربعاء وإذا بسحابة سوداء قد ارتفعت فأظلّتهم، فاجتمعوا تحتها يستظلون بها من الحرّ فانطبقت عليهم حتى لم يبصر بعضهم بعضا؛ واشتدّ الحرّ؛ ثم رمت بوهجها وحرها حتى أنضجت أكبادهم وأحرقتهم وجميع ما كان على وجه الأرض، وشعيب والمؤمنون ينظرون إلى ما نزل بهم، ويتأمّلون مصارعهم، ولم ينلهم من ذلك مكروه. قال الله تعالى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ
ثم أقبل شعيب والمؤمنون ينظرون إلى مصارع القوم. قال الله تعالى: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ
معناها، كيف أحزن عليهم.
ثم قسم شعيب أموال الكفار على قومه، وتزوّج بإمرأة من أولاد المؤمنين، ورزقه الله رزقا حسنا، ولم يزل بأرض مدين حتى كفّ بصره، وجاء موسى بن عمران من أرض مصر، وزوّجه ابنته- على ما نذكره إن شاء الله تعالى-.