كانت وفاته بالبذندون «١» من أرض الروم لثمان خلون من شهر رجب، وقيل لاثنتى عشرة بقيت منه، سنة ثمانى عشرة ومائتين، وكان ابتداء مرضه لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة منها؛ وكان سبب مرضه ما ذكره سعيد بن «٢» العلّاف القارئ، قال: دعانى المأمون يوما فوجدته جالسا على شاطئ البذندون، والمعتصم عن يمينه، وقد دلّيا أرجلهما فى الماء، فأمرنى أن أضع رجلىّ فى الماء، وقال: ذقه- هل رأيت أعذب منه! أو أصفى أو أشد بردا؟ ففعلت وقلت ما رأيت قط مثله، فقال: أى شىء أن يؤكل ويشرب عليه هذا الماء؟ فقلت: أمير المؤمنين أعلم، فقال: الرطب الآزاذ، فبينما هو يقول ذلك إذ سمع وقع لجم البريد، فالتفت فإذا بغال البريد عليها الحقائب فيها الألطاف، فقال لخادم: انظر إن كان فى هذه الألطاف رطب آزاذ فأت به؟ فمضى وعاد ومعه سلّتان فيهما منه، كأنما جنى تلك الساعة، فأظهر شكر الله تعالى وتعجبنا جميعا، وأكلنا وشربنا من ذلك الماء، فما قام منّا أحد إلا وهو محموم، ودامت العلة بالمأمون حتى مات، ولمّا اشتدت عليه قال لأبى إسحاق: يا أبا إسحاق أدن منّى واتعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك فى القرآن، واعمل فى الخلافة- إذا طوّقكها الله- عمل المريد لله، الخائف من عذابه وعقابه، ولا تغتر بالله ومهلته، ولا تغفل أمر الرعية الرعية الرعية- العوامّ العوامّ فإنّ الملك بهم وبتعهدك لهم، الله الله فيهم وفى غيرهم من المسلمين، ولا ينتهينّ إليك أمر فيه صلاح للمسلمين ومنفعة إلا قدّمته وآثرته على غيره من هواك، وخد من أقويائهم لضعفائهم، ولا تحمل عليهم فى شىء، وانصف بعضهم من بعض بالحق