وطرحه على المسدود الطّنبورىّ فوقع له موقعا حسنا؛ واستحسنه محمد منه فقال:
أتحبّ أن أهبه لك؟ قال: نعم؛ قال: قد فعلت. فكان المسدود يغنّيه ويدّعيه، وإنما هو لمحمد بن الحارث.
قال محمد: لمّا قدم المأمون من خراسان لم يشتق مغنّيا بمدينة السلام غيرى.
فبعث إلىّ فكنت أنادمه سرّا، ولم يظهر للندماء حتى ظفر بإبراهيم بن المهدىّ؛ فلما عفا عنه ظهر للندماء.
ولمحمد بن الحارث شعر، منه قوله:
ومن ظنّ أنّ التّيه من فضل قدره [١] ... فإنى رأيت التيه من صغر القدر
ولو كان ذا عزّ ونفس أبيّة ... لغضّ الغنى منه وعزّ عن الفقر
رأى نفسه لا تستقلّ بحقّها ... فتاه لنقص النفس أو قلّة الشكر
[ذكر أخبار أحمد بن صدقة]
قال أبو الفرج الأصفهانىّ: هو أحمد بن صدقة بن أبى صدقة. كان أبوه حجازيّا مغنّيا، قدم على الرشيد وغنّى له. وقد ذكرنا أخباره فى النوادر من كتابنا هذا، فلا حاجة بنا إلى إعادتها. وكان أحمد طنبوريّا محسنا مقدّما حاذقا حسن الغناء محكم الصّنعة. قال: وله غناء كثير فى الأرمال والأهزاج وما يجرى مجراها من غناء الطّنبوريّين. وكان ينزل الشأم. ووصف للمتوكل فأمر بإحضاره، فقدم عليه فغنّاه، فاستحسن غناءه وأجزل صلته. واشتهاه الناس وكثر من يدعوه؛ فكسب بذلك أكثر مما كسبه مع المتوكل أضعافا.
وروى أبو الفرج عن أحمد بن صدقة قال: اجتزت بخالد بن يزيد الكاتب، فقلت له: أنشدنى بيتين من شعرك حتى أغنّى فيهما. فقال: وأىّ حظّ لى فى ذلك!