قال: ولما علم الموفّق أن أصحابه قد تمرّنوا على سلوك تلك الأرض وعرفوها صمّم على العبور إلى محاربة صاحب الزنج من الجانب الشرقى من نهر أبى الخصيب، فجلس مجلسا عاما وأحضر قوّاد المستأمنة وفرسانهم فوقفوا بحيث يسمعون كلامه، ثم عرّفهم ما كانوا عليه من الضلالة والجهل وانتهاك المحارم ومعصية الله عزّ وجلّ، وأنّ ذلك قد أحلّ لهم دماءهم، وأنّه غفر لهم زلّتهم وأمّنهم ووصلهم، وأن ذلك يوجب عليهم حقّه وطاعته، وأنّهم لن يرضوا ربّهم وسلطانهم بأكثر من الجدّ في محاربة الخبيث، وأنّهم يخبرون مسالك ذلك العسكر ومضايق مدينته وأولى أن يجتهدوا في الولوج عليه والتوغّل في حصونه حتى يمكنهم الله منه، فإذا فعلوا ذلك فلهم الإحسان والمزيد، ومن قصّر منهم فقد أسقط منزلته، فارتفعت أصواتهم بالدعاء والاعتراف بإحسانه، وبما هم عليه من المناصحة والطاعة وأنهم يبذلون دماءهم في كل ما يقرّبهم منه، وسألوه أن يفردهم بناحية ليظهر من نكايتهم في العدو ما يعرف به إخلاصهم وطاعتهم، فأجابهم إلى ذلك وأثنى عليهم، وكتب في جمع السفن والمعابر من دجلة والبطيحة ونواحيها ليضيفها إلى عسكره، إذ كان ما عنده يقصر عن الجيش لكثرته، وأحصى ما في الشذا والسميريّات وأنواع السفن، فكانوا زهاء عشرة آلاف ملّاح ممّن يجرى عليه الرزق من بيت المال مشاهرة، سوى سفن أهل العسكر التى تحمل فيها الميرة ويركبها الناس في حوائجهم، وسوى ما لكل قائد من السميريات والحربيّات والزواريق، فلما تكاملت السفن تقدّم إلى ابنه أبى العباس