العجيبة والنقوش المؤلّفة، يطلع من تحتها الماء فى فوّارات وتنصب الى أنهار مصفّحة بالفضّة تفضى الى حدائق فيها بدائع الغروس، عليها تماثيل تصفر بأصناف اللغات، ونضّدت بأنواع الفواكه، وأرخت عليها ستور الدّيباج المنسوجة بالذهب، واختارت له من بنات الملوك الحسان وأزوجته منهنّ، وبنت حول تلك الجنة مجالس يجلس فيها الوزراء والكهنة وأشراف أهل الصناعات يرفعون اليه ما يعملونه، فكان أكثر مقام الملك فى تلك الجنة، فإذا فرغوا من أعمالهم نقل اليهم الطعام والشراب من مطبخه، ولا يزالون فى أكل وشرب بقية يومهم وليلتهم، وأقاموا على ذلك والأمور جارية على السداد.
وكانت أيامه سعيدة كثيرة الخصب والسعة للناس والعدل فيهم والإحسان اليهم. وكان له يوم يخرج فيه الى الصيد ويرجع الى جنّته فيأمر لمن معه بالجوائز والأطعمة والأشربة، ويجلس يوما للناس فينظر فى أمورهم ومصالحهم ويقضى حوائجهم، ويجلس يوما للخلوة بنسائه، ثم جدر فمات؛ وعمل له ناووس فى جنّته وجعل فيه من الأموال والجواهر والصنعة والتماثيل كما كان يجعل لآبائه. وكان ملكه ثلاث عشرة سنة، وانتقل الملك إلى أعمامه.
[ذكر أخبار أتريب الملك]
هو أتريب بن قبطيم بن مصريم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. قال:
وكان أتريب قد انتقل إلى حيّزه بعد وفاة أبيه قبطيم، وهى المدينة التى كان أبوه بناها له، وكان طولها اثنى عشر ميلا، ولها اثنا عشر بابا، وفى شارعها الأعظم ثلاث قباب عالية على عمد بعضها فوق بعض، منها قبّة فى وسط المدينة، وقبّتان فى طرفيها، وجعل على كل ركن منها مرقبا كبيرا يوقد ليلا، وعلى كل باب من أبوابها