الواثق بشعر الغناء فيه لها؛ فقال الواثق: لمن هذا الغناء؟ فقال: لقلم الصالحيّة؛ فبعث إلى ابن الزيّات بإشخاصها ففعل، فدخلت على الواثق فأمرها بالغناء، فغنّته من صنعتها فأعجبه غناؤها، وبعث الى صالح فأحضره وقال له: إنّى قد رغبت فى هذه الجارية فاستم فى ثمنها سوما يجوز أن تعطاه. فقال: أمّا إذ وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين فما يجوز أن أملك شيئا له فيه رغبة، وقد أهديتها الى أمير المؤمنين، فإنّ من حقها علىّ إذا تناهيت فى قضائه أن أصيّرها ملكه، فبارك الله له فيها. فقال الواثق: قد قبلتها، وأمر ابن الزيّات أن يدفع إليه خمسة آلاف دينار، وسمّاها اعتباطا.
فلم يعطه ابن الزيّات المال ومطله به؛ فوجّه إلى قلم من أعلمها بذلك؛ فغنّت الواثق صوتا وقد اصطبح؛ فقال لها: بارك الله فيك وفيمن ربّاك. فقالت: يا سيّدى وما نفع من ربّانى منّى إلّا التعب والغرم والخروج منّى صفرا! فقال: أو لم نأمر له بخمسة آلاف دينار؟ قالت: بلى! ولكنّ ابن الزيّات لم يعطه شيئا. فدعا بخادم من خاصّة الخدم ووقعّ إلى ابن الزيّات بحمل خمسة آلاف الدينار إليه وبخمسة آلاف أخرى معها. قال صالح: فصرت مع الخادم إليه فقرّ بنى وقال: أمّا خمسة الالاف الأولى فقد حضرت، وخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها اليك بعد جمعة. قال:
فقمت، ثم تناسانى كأنه لم يعرفنى. فكتبت إليه أقتضيه؛ فبعث إلىّ: اكتب لى قبضا بها وخذها بعد جمعة. فكرهت أن أكتب إليه قبضا فلا يحصل لى شىء.
قال: فاستترت فى منزل صديق لى. فلما بلغه استتارى خاف أن أشكوه إلى الواثق، فبعث إلىّ بالمال وأخذ كتابى بالقبض. قال: فابتعت بالمال ضيعة وتعلّقت بها وجعلتها معاشى، وقعدت عن عمل السلطان، فما تعرّضت لشىء بعدها.