للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرايت هذا المنزل [أمنزل [١]] أنزلكه الله عز وجل ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والميكدة؟ قال: «بل هو الرأى والحرب والمكيدة» ؛ فقال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس [لك [١]] بمنزل فارحل [٢] بالناس حتى نأتى أدنى ماء من مياه القوم فننزله، ثم نعوّر [٣] ما سواه من القلب، ثم نبنى عليه حوضا فنملأه ماء، ثم نقاتل [القوم [١]] فنشرب ولا يشربوا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرت بالرأى» ؛ وفعل ما أشار به الحباب.

وقال بزرجمهر: أفره ما يكون من الدوابّ لا غنى به عن السوط، وأعقل ما يكون من النساء لا غنى بها عن الزوج، وأدهى ما يكون من الرجال لا غنى به عن المشورة.

وقيل: كانت اليونان والفرس لا يجمعون وزراءهم على الأمر يستشيرون فيه، وإنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به، لمعان شتّى: منها لئلا يقع بين المشاورين منافسة تذهب أصالة الرأى وصحّة النظر، لأن من طباع المشتركين فى الأمر التنافس والتغالب والطعن من بعضهم على بعض، وربما أشار أحدهم بالرأى الصواب وسبق إليه فحسده الآخرون فتعقّبوه بالإعراض والتأويل والتهجين وكدّروه وأفسدوه. ومنها أنّ فى اجتماعهم على المشورة تعريض السرّ للإضاعة والشناعة والإذاعة؛ ولذلك قالت الفرس: إنما يراد الاجتماع والكثرة والتناصر فى الأمور التى يحتاج فيها إلى القوّة، فأمّا الآراء والأمور الغامضة فإنّ الاجتماع يفسدها ويولّد فيها التضاغن والتنافس.


[١] الزيادة عن الطبرى جزء خامس ص ١٣٠٩ من القسم الأول طبع ليدن.
[٢] فى الطبرى وسيرة ابن هشام: «فانهض» .
[٣] نعوّر: نطمّه ونردمه بالتراب حتى ينضب الماء.