تهوى على رءوسها، وكأنّ ناسا ينزلون من السماء معهم مقامع «١» فيضربون الناس بها، وكأنه قد تعلّق بأحدهم وقال له: ما لكم تفعلون بالخلق هذا! أما ترحمونهم؟ فقال:
لأنهم كفروا بإلهم. قال: أفما لهم من خلاص؟ قالوا: نعم، من أراد الخلاص فليلحق بصاحب السفينة، فانتبه وهو يخاطبه، فبقى مرعوبا مما رآه. وكان له امرأة وولدان ذكر وأنثى ومعه تلاميذه، فأجمع على أن يلحق بنوح عليه السلام، ثم نام أيضا فرأى كأنه فى روضة خضراء، وكأنّ فيها طيورا بيضاء تفوح منها رائحة طيّبة، وكأنه تعجّب من حسنها إذ تكلّم بعض الطيور فقال لأصحابه: سيروا بناننج المؤمنين. قال له فليمون: ومن هؤلاء المؤمنون؟ قال: أصحاب السفينة. فانتبه مرعوبا وأخبر أهله وتلاميذه بذلك ثم نام.
فلمّا كان الغد أتى الملك فقال: إن رأى الملك أن ينفذنى إلى در مسيل لأعرف حال هذا الرجل الذى عمل السفينة فأشاهده وأناظره على ما جاء به من هذا الدّين الذى أظهره وأتبيّن حقيقة أمره فليفعل؛ فإنى أرجو أن يكون ذلك سببا لهلاكه ودفعه عما يدّعيه، فأعجب الملك ذلك منه وأذن له فى الخروج، فسار بأهله وولده وتلاميذه حتى انتهوا إلى أرض بابل وقصد نوحا وسأله أن يشرح له دينه ففعل ذلك، فآمن به وجميع من معه، فقال نوح عليه السلام: من أراد الله عزوجل به الخير لم يصدفه أحد عنه. فلم يزل فليمون مع نوح عليه السلام يخدمه هو وولده وتلاميذه إلى أن ركبوا السفينة.
وأمّا فرعان الملك فإنه أقام منهمكا فى ضلاله وظلمه، مقبلا على لهوه، واستخفّ بالكهنة والهياكل، وضاقت الدنيا بأهلها، وكثر الهرج والظلم، وفسدت الزروع،