يقولون لمّا سمعوا كلامى وبلغتهم رسالاتى إنها أقاويل منقولة، وأحاديث متوارثة، وتآليف مما يؤلّف السّحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، وأن يطّلعوا على علم الغيب بما يوحى إليهم الشياطين لاطلعوا، وكلهم يستخفى بالذى يقول ويسرّه، وهم يعلمون أنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما يبدون وما يكتمون. وإنى قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء اثبتّه على نفسى وجعلت دونه أجلا مؤجّلا لابدّ أنه واقع، فإن صدقوا فيما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه، وفى أىّ زمان يكون. وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التى بها أقضى؛ فإنّى مظهره على الّدين كله ولو كره المشركون. وإن كانوا يقدرون على أن يؤلّفوا ما يشاءون فليؤلّفوا مثل الحكمة التى أدبّر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين. فإنّى قضيت يوم خلقت السموات والأرض أن أجعل النبوّة فى الأجراء «١» ، وأجعل الملك فى الرّعاء، والعزّ فى الأذلّاء، والقوّة فى الضعفاء، والغنى فى الفقراء، والثروة فى الأقلّاء، والمدائن فى الفلوات، والآجام «٢» فى المفاوز، والثّرى فى الغيطان، والعلم فى الجهلة، والحكم فى الأميّيّن.
فسلهم متى هذا ومن القيّم به وعلى يدى من أسبّبه، ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره.
وإن كانوا يعلمون فإنى باعث لذلك نبيّا أمّيّا لا أعمى من العميان ولا ضالّا من الضالّين، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب فى الأسواق، ولا متزيّن بالفحش، ولا قوّال للخنا، أسدّده لكل جميل، وأهب له كلّ خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه، والبرّ شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحقّ شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملّته، أحمد اسمه، أهدى به بعد الضّلالة، وأعلّم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأشهّر