وعلىّ أن أؤلّف بينهما، فكيف لا أقدر على أن أجمع ألفتهم إن شئت! أم كيف لا أقدر على أن أفقه قلوبهم وأنا الذى صوّرتها!. يقولون: صمنا فلم يرفع صيامنا، وصلّينا فلم تنوّر صلاتنا، وتصدّقنا فلم تزك صدقاتنا، ودعونا بمثل حنين الحمام، وبكينا بمثل عواء الذئاب، فى كل ذلك لا يسمع ولا يستجاب لنا. قال الله تعالى:
فسلهم: ما الذى يمنعنى أن أستجيب لهم! ألست أسمع السامعين، وأبصر الناظرين، وأقرب المجيبين، وأرحم الراحمين! الأنّ ذات يدى قلّت! وكيف ويداى مبسوطتان بالخير أنفق كيف أشاء، ومفاتيح الخزائن عندى لا يفتحها غيرى!. أو لأن رحمتى ضاقت! فكيف ورحمتى وسعت كلّ شىء، إنما يتراحم المتراحمون بفضلها!. أو لأنّ البخل يعترينى! أولست أكرم الأكرمين. والنّفّاح بالخيرات أجود من أعطى وأكرم من سئل!. لو أنّ هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بالحكمة التى تورث فى قلوبهم [النور «١» ] فنبذوها واشتروا بها الدنيا، إذا لأبصروا من حيث أتوا، وإذا لأيقنوا أنّ أنفسهم هى أعدى العداة لهم. فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزّور ويتقوّون عليه بطعمة الحرام! وكيف أنوّر صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربنى وينتهك محارمى! أم كيف تزكو عندى صدقاتهم وهم يتصدّقون بأموال غيرهم! إنما آجر عليها أهلها المغصوبين. أم كيف أستجيب لهم دعاءهم، وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد!. إنما أستجيب للداعى البرّ، وإنما أسمع قول المستعفّ المستكين. وإنّ من علامة رضاى رضا المساكين. فلو رحموا المساكين، وقرّبوا الضعفاء، وأنصفوا المظلوم، ونصروا المغصوب، وعدلوا للغائب، وأدّوا إلى اليتيم والأرملة والمسكين وكلّ ذى حقّ حقّه، ثم لو كان ينبغى لى أن أكلّم البشر إذا لكلّمتهم؛ وإذا لكنت نور أبصارهم، وسمع آذانهم، ومعقول قلوبهم؛ وإذا لدعمت أركانهم فكنت قوّة أيديهم وأرجلهم؛ وإذا لثبّتّ ألسنتهم وعقولهم.