قل لهم: كيف ترون فى أرض كانت جرزا «١» زمانا خربة مواتا لا عمران فيها، وكان لها ربّ حكيم قوىّ، فأقبل عليها بالعمارة وكره أن تخرب أرضه، فأحاط عليها جدارا وشيّد فيها قصرا وأنبط فيها نهرا، وصفّف فيها غراسا من الزيتون والرمّان والنخيل والأعناب وألوان الثّمار كلها، وولىّ ذلك واستحفظه ذا رأى وهمّة حفيظا قويّا أمينا، فانتظرها، فلمّا أطلعت جاء طلعها خرّوبا؟!. قالوا: بئست الأرض هذه! نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدمّر نهرها ويقبض قيّمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أوّل مرّة خرابا موانا لا عمران فيها. قال الله عزّ وجلّ لهم: إنّ الجدار ذمّتى، وإنّ القصر شريعتى، وإنّ النهر كتابى، وإنّ القيّم نبيّى، وإنّ الغراس هم، وإن الخرّوب الذى أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة، وإنّى قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم، فإنه مثل ضربه الله لهم. يتقرّبون إلىّ بذبح البقر والغنم، وليس ينالنى اللحم ولا آكله. ويدّعون أنهم يتقرّبون إلىّ بالتقوى والكفّ عن ذبح الأنفس التى حرّمتها، فأيديهم مخضوبة منها، وثيابهم مترمّلة «٢» بدمائها؛ يشيّدون لى البيوت مساجد ويطهّرون أجوافها، وينجّسون قلوبهم وأجسادهم ويدنّسونها. فأىّ حاجة لى إلى تشييد البيوت ولست أسكنها! وأىّ حاجة لى إلى تزويق المساجد ولست أدخلها! إنما أمرت برفعها لأذكر فيها ولأسبّح، ولتكون مصلّى لمن أراد أن يصلّى فيها.
يقولون: لو كان الله يقدر على أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان الله يقدر على أن يفقه قلوبنا لأفقهها، فاعمد إلى عودين يابسين ثم ائت بهما ناديهم فى أجمع ما يكونون، فقل للعودين: إنّ الله يأمركما أن تكونا عودا واحدا. فلمّا قال لهما ذلك اختلطا فصارا واحدا. فقال الله تعالى [قل «٣» ] لهم: إنى قد قدّرت على أن أفقه العودين اليابسين،