فلمّا قدموا جمع سنحاريب الناس وأخبرهم كيف فعل الله بجنوده. فقال له كهّانه وسحرته: قد كنا نقصّ عليك خبر ربهم وخبر نبيّهم ووحى الله إلى نبيّهم، فلم تطعنا، وهى أمّة لا يستطيعها أحد من ربّهم. ولبث سنحاريب بعد ذلك سبع سنين ومات. واستخلف بختنصّر ابن ابنه على ما كان عليه جدّه، فعمل بعمله وقضى بقضائه، فلبث سبع عشرة سنة ثم قبض الله تعالى صديقة ملك بنى إسرائيل، فمرج «١» أمر بنى إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضا، ونبيّهم شعيا معهم لا يرجعون إليه ولا يقبلون منه. فلما فعلوا ذلك أوحى الله تعالى إلى شعيا: أن قم فى قومك أوح على لسانك. فلمّا قام أوحى الله تعالى على لسانه وأنطقه بالوحى فقال: يا سماء اسمعى، ويا أرض أنصتى؛ فإنّ الله يريد أن يقصّ شأن بنى إسرائيل الذين ربّاهم بنعمته، واصطنعهم لنفسه، وخصّهم بكرامته، وفضّلهم على عباده، واستقبلهم بالكرامة، وهم كالغنم الضائعة التى لا راعى لها؛ فآوى شاردها، وجمع ضالّها، وجبر كسيرها، وداوى مريضها، وأسمن مهزولها، وحفظ سمينها. فلمّا فعل ذلك بها تناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا، حتى لم يبق منهم عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير.
فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون ما جاءهم من الخير. إنّ البعير مما يذكر وطنه فيأتيه، وإنّ الحمار مما يذكر الآرىّ «٢» الذى يشبع عليه فيراجعه، وإنّ الثور مما يذكر المرج «٣» الذى يسمن فيه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يدرون من أين «٤» جاءهم الخير وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمير، وإنى ضارب لهم مثلا فليسمعوه.