ومنها: إلانة الحديد له. قال الله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ
«١» . قالوا: وكان سبب ذلك أنّ داود- عليه السلام- لمّا ملك أمر بنى إسرائيل، كان من عادته أن يخرج للناس متنكّرا، فإذا رأى رجلا لا يعرفه تقدّم إليه وسأله، فيقول له: ما تقول فى داود واليكم هذا؟ أىّ رجل هو؟ فيثنون عليه ويقولون خيرا؛ فبينما هو ذات يوم إذ قيّض الله له ملكا فى صورة آدمىّ، فتقدّم داود إليه، فسأله على عادته، فقال له: نعم الرجل هو لولا خصلة فيه. فراع داود ذلك، فقال: ما هى يا عبد الله؟ قال: إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال.
قال: فتنبّه داود لذلك، وسأل الله تعالى أن يسبّب له سببا يستغنى به عن بيت المال، فألان الله له الحديد، فصار فى يده مثل الشّمع والعجين والطّين المبلول، فكان يصرّفه بيده كيف شاء من غير إدخال نار ولا ضرب بحديد.
وعلّمه الله تعالى صنعة الدروع فهو أوّل من اتّخذها وكانت قبل ذلك صفائح.
وقيل: إنه كان يبيع كل درع منها بأربعة آلاف، فيأكل ويطعم عياله ويتصدّق منها على الفقراء والمساكين، وذلك قوله تعالى: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ
، أى لا تجعل المسامير دقاقا فتنفلق، ولا غلاظا فتكسر الحلق.
فكان يفعل ذلك حتى جمع منه مالا.
وروى أنّ لقمان الحكيم رأى داود وهو يعمل الدّروع، فعجب من ذلك ولم يدر ما هو؟ فأراد أن يسأله، فسكت حتى فرغ داود من نسج الدروع، فقام وصبّها على نفسه وقال: نعم القميص هذا للرجل المحارب. فعلم لقمان ما يراد به، فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله. والله أعلم.