للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدائم على الفانى فنقله إليه؛ على أن الدين فقد منه ركنا شديدا، ورأيا سديدا، وعزما وحزما معينا مفيدا، وأميرا أردنا أن يعيش سعيدا، فأبى الله إلا أن يموت شهيدا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد كان للرجاء فى اعتضاد الدولة القاهرة به أىّ مجال، وللآمال فى الانتظار ببأسه ظنون تحقّق أن الغلبة للدّين دائما مع أن الحروب سجال؛ وللمواكب بطلوع طلعته أىّ إشراق، وللعيون عن مشاهدة كماله وأبهة جلاله أىّ إغضاء وأىّ إطراق. ولله أىّ بدر هوى من أفق بروجه [١] عن فلك، وأىّ شمس ما رأته الجوارى الكنّس إلا قلن: حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك؛ وأىّ حصن كانت منه ثمار الشجاعة تجتنى، وأىّ أسد براثنه الصوارم وأجماته القنا. لقد فتّ فى عضد الدين مصابه، وأذهب صحّة الأنس به وحلاوة وجوده أوصاب فقده وصابه؛ وكادت الصوارم أن تشقّ عليه غمودها، والرّايات أن تقطّع عليه ذوائبها وتغيّر بنودها، والرماح أن تعرض على النار لتقصف لا لتثقّف قدودها؛ والجياد أن تتعثّر للحزن بذيولها، وتعتاض بالنّوح عن صهيلها. ولو أنصف لأكنّته القلوب فى ضمائرها، ولو قبل الفداء لسمحت فيه النفوس بالنفائس ولو كانت الحياة من ذخائرها؛ أو لو كان الحتف مما يدافع بالجنود تحطّمت دونه القنا فى دروع عساكرها، ولكنه السبيل الذى لا محيد عن طريقه، والمعرّس الذى لا بدّ لكل حىّ من النزول على فريقه؛ وهو الغاية التى تستنّ إليها النفوس استنان الجياد، والحلبة التى كنّا نحن وهذا الدارج نركض إليها ولكنّ السابق كان الجواد؛ على أن المتأخّر لا بدّ له من اللّحاق، وماذا عسى يسرّ البدر بكماله وهو يعلم أن وراءه المحاق! وفى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يعلم أن كلّ رزء بعده جلل، وإذا انتقل العبد إلى الله تعالى غير مفتون فى دينه ولا مثقل الظهر من الأوزار حمد فى غد ما فعل؛ وغبط بقدومه


[١] فى الأصل: «من أفق سروجه» .