للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أكرم الأكرمين مسرورا، ولقى الله وقد جعل فى قلبه نورا وفى سمعه نورا وفى بصره نورا. والمولى أعزه الله تعالى أولى من تلقّى أمر الله بالتسليم والرضا، وقابل أقداره بأن الخيرة فيما قدّر وقضى؛ وحمد الله على ما وهب من بقاء إخوته الذين فيهم أعظم خلف، وأجمل عوض يقال به للدّهر الذى اعتذر بدوام المسرّة فيهم: عفا الله عمّا سلف؛ وعلم أنّ الخطب الذى هدّ ركن الدين باحترابه واجتراحه، قد صرفه إلى الأمد عن الإلمام بساحة شهابه والتعرّض إلى حمى فخره والنظر إلى حىّ صلاحه؛ ففى بقائهم ما يرغم العدا، ويعزّ حزب الهدى؛ ويقيم كلّا منهم فى خدمة الدولة القاهرة بين يدى المولى مقام الشّبل المنتمى للأسد، وينهضهم من مصالح الإسلام مع ما يعلمه منهم من حسن الثّبات من الوالد وسرعة الوثبات من الولد. والله تعالى يجزل له من الأجر أوفاه، ويحفظ عليه- وقد فعل- أخراه؛ ويجعله للإسلام ذخرا، ولا يسمعه مع طول البقاء بعدها تعزية أخرى.

ومن أحسن الرثاء وأشجاه ما نطقت به الخنساء فى رثائها لأخيها صخر، فمن ذلك قولها:

ألا يا صخر إن أبكيت عينى ... لقد أضحكتنى دهرا طويلا

دفعت بك الجليل وأنت حىّ ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا

وقالت أيضا فيه:

الا هبلت أمّ الذين غدوا به ... إلى القبر، ماذا يحملون إلى القبر!

وماذا يوارى القبر تحت ترابه ... من الجود! يا بؤس الحوادث والدهر!

فشأن المنايا إذ أصابك ريبها ... لتغد على الفتيان بعدك أو تسرى