للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا بعدها إلى الآن أحسن منها في كل شىء. فتكلمت وقالت: أريد كذا وكذا (ثيابا طلبتها) . فسمعت نغمة ورأيت شكلا قتلنى فعشقتها في الحال أشدّ عشق، وقلت:

اصبرى حتى يخرج الناس، فآخذ ذلك لك فليس عندى إلا القليل مما يصلح لك.

وأخرجت الذى عندى وجلست تحادثنى، وكأن السكاكين في فؤادى من عشقها.

وكشفت عن أنامل رأيتها كالطّلع، ووجه كدارة القمر. فقمت لئلا يزيد علىّ الأمر، وأخذت لها من السوق ما أرادت، وكان ثمنه مع مالى نحو خمسمائة دينار، فأخذته وركبت ولم تعطنى شيئا. وذهب عنى لما تداخلنى من حبها أن أمنعها من المتاع إلا بالمال، وأن أستدل على منزلها ومن دار من هى؟ فحين غابت عنى، وقع لى أنها محتالة وأن ذلك سبب فقرى. فتحيرت في أمرى وكتمت خبرى، لئلا أفتضح بما للناس علىّ. وأجمعت على بيع ما في يدى من المتاع وإضافته إلى ما عندى من الدراهم وأدفع أموال الناس إليهم ولزوم البيت والاقتصار على غلة العقار الذى ورثته. وأخذت أشرع فى ذلك مدة أسبوع، وإذا بها قد أقبلت ونزلت عندى، فحين رأيتها أنسيت جميع ما جرى علىّ، وقمت إليها. فقالت: يا فتى، تأخرنا عنك لشغل عرض لنا، وما شككنا فى أنك لم تشك أنا احتلنا عليك، فقلت: قد رفع الله قدرك عن هذا! فقالت، هات التخت والطيار [١] ، فأحضرته، فأخرجت دنانير عتقا، فوفتنى المال بأسره. وأخرجت تذكرة بأشياء أخر. فأنفذت إلى التجّار أموالهم وطلبت منهم الذى أرادت، وحصّلت أنا


[١] فى شرح المقامات الحريرية للطرّزى المسمى بالايضاح في تفسير قول الحريرى في المقامة الثانية والأربعين
«ثم اعتضد عصا التّسيار ... وأنشد ملغزا في الطيار.
وذى طيشة شقه مائل ... وما عابه بهما عاقل»
ما نصه: «الطيار معيار الذهب لأنه على شكل الطائر وقيل هو ميزان لا لسان له أفادنيه حضرة صاحب السعادة العلامة أحمد تيمور باشا.