للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها، فامتنعنا. فقال: كلوا! فإنى أتأذّى بأكل هذا اللون. فقلنا: نساعدك على تركه.

قال: بل أساعدكم على الأكل، واحتمل الأذى! فأكل وأكلنا، فلما أراد غسل يده أطال. فعددت عليه أنه قد غسلها أربعين مرة. فقلت: يا هذا، وسوست! فقال: هذه الأذية التى قرفت منها! فقلت: وما سببها؟ فامتنع من ذكر السبب، فلما ألححت عليه، قال: مات أبى وسنى عشرون سنة، وخلّف لى نعمة وفيرة ورأس مال ومتاعا في دكانه. فقال لما حضرته الوفاة: يا بنىّ! إنه لا وارث لى غيرك، ولا دين علىّ ولا مظلمة. فإذا أنا متّ فأحسن جهازى وتصدّق عنى بكذا وكذا، وأخرج عنى حجّة بكذا، وبارك الله لك في الباقى! ولكن احفظ وصيتى! فقلت: قل! قال: لا تسرف فى مالك، فتحتاج إلى ما في أيدى الناس فلا تجده. واعلم أن القليل مع الإصلاح كثير، والكثير مع الفساد قليل. فالزم السّوق وكن أوّل من يدخلها، وآخر من يخرج منها.

وإن استطعت أن تدخلها سحرا بليل فافعل، فإنك تستفيد بذلك فوائد تكشفها لك الأيام، ومات. فأنفذت وصيته، وعملت بما أشار به. وكنت أدخل السوق سحرا، وأخرج منها عشاء. فلا أعدم من يجىء يطلب كفنا فلا يجد من قد فتح غيرى فأحتكم عليه، ومن يبيع شيئا والسوق لم تقم فأبتاع منه، وأشياء من هذه الفوائد. ومضى علىّ سنة وكسر، فصار لى بذلك جاه عند أهل السوق وعرفوا استقامتى وأكرمونى.

فبينا أنا جالس يوما ولم تتكامل السوق، وإذا بامرأة راكبة حمارا مصريا وعلى كفله منديل دبيقىّ [١] ومعها خادم وهى بزىّ القهارمة. فبلغت آخر السوق ثم رجعت، فنزلت عندى. فقمت إليها وأكرمتها، وقلت: ما تأمرين؟ وتأملتها فإذا بامرأة لم أر قبلها


[١] دبيق (بالباء الموحدة ثم الياء) مدينة كانت بالقرب من دمياط وكانت مشهورة بنفائس المنسوجات التى تعرف باسمها.