لتجتاز حرمه فيه، لئلا يراهم العامة والأجناد، فقصد بعض الأتراك السرادق، فظن جلال الدولة أنهم يريدون الحريم، فصاح بهم، وقال:
بلغ من أمركم إلى الحريم؟ وتقدم إليهم وبيده طبر، «١» فصاح صغار الغلمان، والعامة: جلال الدولة يا منصور؛ ونزل أحدهم عن فرسه، وأركبه إياه، وقبلوا الأرض بين يديه، فرجعوا إلى منازلهم، ولم تمض عشرة أيام حتى عادوا، وشعبوا؛ فباع جلال الدولة فرشه، وثيابه، وخيامه، وفرق أثمان ذلك فبهم، فسكنوا، وضعف حال جلال الدولة، وقلت الأموال عنده، وطمع القواد فيه، حتى انتهى حاله في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة في شهر رجب أن أخرج دوابه من الاصطبل، وهى خمس عشرة دابة وسيّبها في الميدان، بغير سايس، ولا حافظ، ولا علف، فقيل: إنه فعل ذلك لأمرين: أحدهما: عدم العلف عنده، والثانى: أن الأتراك كانوا يلتمسون دوابه يطلبونها منه، فضجر من ذلك، فأخرجها، وقال: هذه دوابى، خمسة لمركوبى، والباقى لأصحابى، وفرق حواشيه، وفراشيه، وأتباعه، وأغلق باب داره لانقطاع جاريه فثارت فتنة لذلك بين العامة والجند، وعظم الأمر، وظهر العيّارون ببغداد.