فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ركب السلطان، وقال لأصحابه:
من أراد الانصراف، فالينصرف، فما هاهنا سلطان يأمر وينهى، وبكى، وأبكى، ورمى القوس والنشاب، وأخذ السيف والدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض، وتحنط، وقال: إن قتلت، فهذا كفنى، وذلك لخمس بقين من ذى القعدة سنة ثلاث وستين، وزحف إلى الروم، وزحفوا له، فلما قاربهم ترجّل، وعقر وجهه في التراب، وبكى، وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل، فأعطى الله النصر للمسلمين، فقتلوا من العدو ما لا يحصى كثرة، وأسر ملك الروم، أسره بعض غلمان كوهراتين، ولم يعرفه، وأراد قتله، فقال له خدم معه: هذا الملك لا تقتله، وكان هذا الغلام قد عرض على عضد الدولة، فلم يجز عرضه استحقارا له، فشكره كوهراتين، فقال نظام الملك: عسى أن يأتينا بملك الروم أسيرا، فكان كذلك، فلما أسره الغلام أحضره إلى مولاه كوهراتين، فأحضره إلى السلطان، فضربه السلطان ثلاث ضربات بالمقرعة، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة، فأبيت، فقال: دعنى من التوبيخ، وافعل ما تريد، فقال السلطان: ما عزمت أن نغفل بى إن أسرتنى؟ فقال: كنت أفعل كل قبيح، قال:
فما تظن أنى أفعل معك؟ فقال: إما أن تقتلنى، وإما أن تشهرنى في البلاد، والأخرى بعيدة، وهى العفو، وقبول الأموال، واصطناعى باتباعك، وقال: ما عزمت على غير هذا، ففدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وقطيعة في كل سنة ثلاثمائة ألف وستين ألف