بناه على دجلة عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت والحديد والرصاص والكلز فقبض قبل أن تكمل عمارته وبنى أيضا جسرا كذلك على النهر المعروف بالأرفاد، وبنى الربط. وقصده الناس من أقطار الأرض. وكانت صدقاته وصلاته من أقاصى خراسان إلى حدود اليمن، وكان يشترى الأسرى فى كل سنة بعشرة آلاف دينار، هذا من الشام حسب، سوى ما يشترى من الكرج.
وقال ابن الأثير: أيضا حكى لى والدى عنه قال كثيرا ما كنت أرى جمال الدين إذا قدم إليه الطعام يأخذ منه ومن الحلوى ويتركه فى خبز بين يديه. فكنت أنا ومن يراه نظن أنه يحمله إلى أم ولده على. فاتفق أنه فى بعض السنين جاء إلى الجزيرة مع قطب الدين، وكنت أتولى ديوانها، وحمل جاريته أم ولده إلى دارى لتدخل الحمام، فبقيت فى الدار أياما. فبينما أنا عنده فى الخيام، وقد أكل الطعام فعل كما كان يفعل. ثم تفرق الناس فقمت فقال:
«اقعد» فقعدت. فلما خلا المكان قال لى:«قد آثرتك اليوم على نفسى، فإننى فى الخيام ما يمكننى أن أفعل ما كنت أفعله. خذ هذا الخبر واحمله أنت فى كمك فى هذا المنديل، واترك الحماقة من رأسك، وعد إلى بيتك، فإذا رأيت فى طريقك فقيرا يقع فى نفسك أنه مستحق، فاقعد أنت بنفسك وأطعمه هذا الطعام» قال: ففعلت ذلك، وكان معى جمع كثير ففرقتهم فى الطريق لئلا يرونى أفعل ذلك، وبقيت فى غلمانى، فرأيت فى موضع إنسانا أعمى وعنده أولاد له وزوجته، وهم من الفقر على حال شديد، فنزلت عن دابتى إليهم وأخرجت الطعام وأطعمتهم إياه. وقلت للرجل تجيىء غدا بكرة إلى دار فلان، أعنى دارى- ولم أعرفه نفسى- فإننى آخذ لك