وقيل لمّا قوى أمر بنى العباس وظهر، قال مروان بن محمد لعبد الحميد بن يحيى كاتبه: إنّا نجد في الكتب، أن هذا الأمر زائل عنا لا محالة، وسيظهر اليك هؤلاء القوم، يعنى ولد العباس، فصر اليهم، فإنى لأرجو أن تتمكن منهم، فتنفعنى فى مخلفى، وفي كثير من أمورى، فقال: وكيف لى بعلم الناس جميعا أن هذا عن رأيك، وكلّهم يقول: إنى غدرت بك، وصرت الى عدوّك؟ وأنشد
أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لى بعذر يوسع الناس ظاهره
ثم قال
ولؤم ظاهر لا شكّ فيه ... للأئمة وعذرى بالمعيب
فلما سمع مروان ذلك، علم أنه لا يفعل، ثم قال له عبد الحميد: إن الذى أمرتنى به، لأنفع الأمرين لك، وأقبحهما بى، ولك علىّ الصبر معك، الى أن يفتح الله عليك، أو أقتل معك.
والعرب تضرب المثل في الوفاء بالسموءل بن عادياء الأزدىّ، وقيل: إنه من ولد الكاهن بن هارون بن عمران، وكان من خبره، أن امرأ القيس بن حجر، أودعه أدراعا مائة، فأتاه الحارث بن ظالم، ويقال الحارث بن أبى شمر الغسّانىّ، ليأخذها منه، فتحصّن منه السموءل، فأخذ ابنا له غلاما وناداه: إما أن أسلمت إلىّ الأدرع، وإما أن قتلت ابنك، فأبى أن يسلمها، فقتل ابنه بالسيف، ففى ذلك يقول
وفيت بأدرع الكندىّ، إنى ... اذا ما القوم قد غدروا وفيت
وأوصى عاديا يوما بأن لا ... تهدّم يا سموءل ما بنيت