عن دفعهم فليس إلا مصانعتهم بالأموال، فثاروا عليه، وأغلظوا له فى القول، فوافقهم على مرادهم. فأشار الفقيه بإخراج شحنة التتار فوثب العامة على الشحنة فقتلوه، وامتنعوا. فتقدم إليهم التتار وحصروهم، فقاتلهم أهل البلد قتالا شديدا، والرئيس والفقيه فى أوائلهم، فقتل من التتار خلق كثير، وجرح الفقيه عدة جراحات وافترقوا. ثم اقتتلوا من الغد أشد مما مضى بالأمس. وأرادوا الخروج فى اليوم الثالث، فلم يطق الفقيه الركوب ولم يوجد الرئيس، وهرب من سرب كان قد صنعه إلى ظاهر البلد هو وأهله، واستعصم بقلعة هناك على جبل عال. فحار الناس ثم اجتمعت كلمتهم على القتال إلى أن يموتوا، وكان التتار قد عزموا على الرحيل لكثرة من قتل منهم، فلما تقاصر أهل البلد عن الخروج إليهم طمعوا واستدلوا على ضعفهم، فقصدوهم وقاتلوهم، ودخلوا المدينة بالسيف، وذلك فى شهر رجب سنة ثمان عشرة. وقاتلهم الناس فى الدروب بالسكاكين فقتل من الفريقين ما لا يحصى، ثم قوى التتار على المسلمين فأفنوهم وما سلم منهم إلا من كان عمل له نفقا فى الأرض، واختفى فيه، ثم أحرقوا البلد ورحلوا عنه.