وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار، ولقد رأيته يوم حنين على حمار، خطامه ليف. وقال صلّى الله عليه وسلم:«إن العفو لا يزيد العبد إلا عزّا فاعفوا يعزّكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء فتصدّقوا يزدكم الله» . وقال عروة ابن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف، وفي لفظ «سلّم الشرف» . وقال جعفر بن محمد: رأس الخير التواضع، فقيل له: وما التواضع؟ فقال: أن ترضى من المجلس بدون شرفك وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقّا.
وعن على رضى الله تعالى عنه ولم يذكر المراء فيه وزاد فيه: وتكره الرياء والسمعة. وقيل: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة، وقيل: التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد، وقيل: التواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها.
وقال عبد الله بن المعتز: متواضع العلماء أكثرهم علما، كما أن المكان المنخفض أكثر الاماكن ماء.
وكان يحيى بن خالد يقول: لست أرى أحدا تواضع في إمارة إلا وهو في نفسه اكبر مما نال من سلطانه.
ومن التواضع المأثور ما روى: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرّ ويده على المعلّى بن الجارود فلقيته امرأة من قريش، فقالت له: يا عمر، فوقف لها، فقالت له: كنا نعرفك مرّة عميرا ثم صرت بعد عمير عمر ثم صرت بعد عمر أمير المؤمنين فاتق الله يابن الخطّاب، فانظر في أمور الناس، فإنّه من خاف الوعيد، قرب عليه