للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشكا رجل جعفر بن يحيى لأبيه: أنه وعده وعدا ومطله به، فوقّع: يا بنىّ، أنتم معاقل الأحرار ومظانّ المطالب ومعادن الشكوى، فكونوا سواء في الأقوال والأفعال، فإن الحرّ، يدّخر وعد الحر ويعتقده وينفقه قبل ملكته، فإن أخفق أمله، كان سببا لذمّه واتّهامه وسوء ظنّه، حتّى يوارى قبح ذلك حسن يقينه، فأنجز الوعد، وإلا فأقصر القول، فإنه أعذر والسلام.

قال: كلّم المأمون في الحسين بن الضحّاك الخليع أن يردّ عليه رزقه، فقال: أليس هو القائل في الأمين

فلا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدّنيا طريدا مشردا

فما زالوا يتلطفون معه في القول، إلى أن أذن له أن ينشده، فأنشده

أبن لى فإنى قد ظمئت الى الوعد ... متى تنجز الوعد المؤكّد بالعهد؟

أعيذك من صدّ الملوك وقد ترى ... تقطّع أنفاسى عليك من الوجد

فما لى شفيع عند حسنك غيره ... ولا سبب إلا التمسك بالودّ

أيبخل فرد الحسن فرد صفاته ... علىّ وقد أفردته بهوى وحدى

رأى الله عبد الله خير عباده ... فملّكه والله أعلم بالعبد

فقال له المأمون: هذه بتلك، وقد عفونا عنك فقال: يا أمير المؤمنين، فأتبع عفوك إحسانك، فأمر بردّ أرزاقه عليه، وكانت في كلّ شهر خمسمائة دينار، فقال المأمون:

لولا أنى نويت عفوا عنه، وجعلت ذلك وعدا له من قبل، ما فعلته، وإنما ذكر الوعد في تشبيبه يذكرنيه.

وقال بعض ملوك العجم: البخل بعد الوعد، يضعف قبحه على البخل قبله، فما قولك في أمر، البخل أحسن منه؟