للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسدى اليه صنيع أخفاه، وإن استكتم سرّا أفشاه، فصديقه منه على حذر، وعدوّه منه على غرر «١» .

وإنّ للشعراء والبلغاء في الذّم والهجاء نظما ونثرا سنورد منه طرفا، ونشرح ما يجعل ضوء النهار على المقول فيه سدفا «٢» .

فمن ذلك ما قاله أحمد بن يوسف الكاتب في بنى سعيد بن مسلم بن قتيبة: محاسنهم مساوىء السّفل، ومساوئهم فضائح الأمم، وألسنتهم معقودة بالعىّ، وأيديهم معقولة بالبخل، وأعراضهم أعراض الذمّ؛ فهم كما قيل

لا يكثرون وإن طالت حياتهم ... ولا تبيد مخازيهم وإن بادوا

وذمّ أعرابى قوما فقال هم أقلّ الناس ذنوبا الى أعدائهم، وأكثرهم تجرؤا على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.

وذمّ أعرابىّ قوما فقال: قوم سلخت أقفاؤهم بالهجاء، وذبغت جلودهم باللؤم، فلباسهم في الدنيا الملامة، وفي الآخرة الندامة.

وكان عيسى بن فرخان شاه يتيه على أبى العيناء حال وزارته، فلما صرف عن الوزارة لقى أبا العيناء في بعض السكك فسلّم عليه سلاما خفيفا، فقال أبو العيناء لقائده: من هذا؟ قال: أبو موسى، فدنا منه حتّى أخذ بعنان بغلته وقال: لقد كنت أقنع بإيمائك دون بنانك، وبلحظك دون لفظك، الحمد لله على ما آلت اليه حالك، فلئن كانت أخطأت فيك النعمة، لقد أصابت فيك النقمة؛ ولئن كانت الدنيا أبدت صفحاتها بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالإدبار عنك، ولله المنّة