وخلع المطيع «١» كما ذكرناه، وتوالت تلك الفتن، انفصل أفتكين عن بغداد فى سنة ثلاث وستّين وثلاثمائة فى ثلاثمائة غلام، وسار حتّى قدم حمص فأقام أيّاما يسيرة، وسار منها إلى دمشق، فوجد أحداث البلد قد تحكّموا فيها والفتن بين أهلها وبين عسكر المغاربة. فخرج إليه شيوخ دمشق وأظهروا السّرور به، وسألوه أن يتولّى عليهم، ويكفّ أيدى المفسدين، وتوثّقوا منه وتوثّق منهم بالأيمان، ودخل البلد وأصلح أمره، وأحسن السّيرة، وكفّ المفسدين، فاستقام له الأمر وثبت قدمه «٢» . فاضطر إلى مكاتبة المعزّ لدين الله بمصر فكاتبه وخادعه، وغالطه، وأظهر الانقياد إليه والطاعة لأمره.
فأجابه المعزّ يستدعيه إلى حضرته ليشاهده، ويصطفيه لنفسه، ويعيده إلى ولايته؛ فلم يثق إلى ذلك وامتنع من الإجابة. ووافق ذلك علّة المعزّ ووفاته.
وكتب أفتكين فى أثناء هذه القضيّة إلى مولاه ببغداد يقول إنّ الشام قد صفا فى يدى، فإن سيّرت إلىّ عسكرا ومالا وسلاحا فتحت ديار مصر، فبعث إليه الجواب: غرك عزك فصار قصار ذلك ذلّك فاخش فاحش فعلك، فعلّك تهدأ بهذا. فلما أيس أفتكين من إنفاذ العساكر إليه من بغداد اضطرّ عند ذلك إلى مكاتبة القرامطة، فقصدوه ووافوه فى سنة خمس وستّين وثلاثمائة؛ وكان الذى أتاه منهم إسحاق، وكسرى، وجعفر؛ فنزلوا بظاهر دمشق، ووافاه معهم كثير من العجم. فأكرمهم أفتكين وحمل إليهم الميرة، فأقاموا أيّاما وتوجّهوا إلى الرّملة، فخرجت إليهم عساكر السّاحل، واقتتلوا، فهزمهم أفتكين، وقتل منهم مقتلة عظيمة.