انفرد خرجوا عليه وقتلوه بالمكان الّذى ذكرناه، وخرج الموكب لتلقّيه على العادة، فطال انتظارهم له فلم يرجع، فعادوا؛ ثمّ خرجوا ثانيا وقصّوا الأثر، فوجدوا حماره وثيابه، كما ذكرناه، فعادوا إلى القصر وطلبوه من أخته ستّ الملك وقالوا: إن مولانا ما جرت عادته بهذا. فقالت لهم: إن رقعته قد وصلت إلينا أنه يأتى بكرة الغد. فتفرّقوا. فبعثت الأموال إلى وجوه الدّولة والقوّاد على يد ابن دوّاس، وبقى الأمر مستمرّا والحال متماسكا إلى عاشر ذى الحجة من السنة، فجرى بين العساكر وبين ستّ الملك كلام كثير أوجب أنها أخرجت إليهم ولده أبا الحسن عليّا فى يوم الأضحى فبايعه الناس، على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخباره، هذا ما حكى فى سبب إعدامه.
وأما سيرته وأفعاله وأخباره، فقد قدّمنا منها على حكم السنين ما قدمنا، فلنذكر خلاف ذلك.
قال المؤرخ: كان الحاكم سيئ الاعتقاد، كثير التنقّل من حال إلى حال. كان فى ابتداء أمره يلبس الثّياب الفاخرة والمذهبة، والعمائم المنظومة بالجوهر النّفيس، ويركب فى السّروج المحلّاة، ثم ترك ذلك على تدريج أن ينتقل منه إلى لباس المعلم غير المذهب، ثم لباس الساذج؛ ثم زاد به الأمر حتى لبس الصّوف والشواشى وركب الحمير، وأظهر الزّهد، وكثر استطلاعه على أخبار النّاس، فلم يخف عليه خبر رجل ولا امرأة من حواشيه ورعيّته وكان يأخذ بيسير الذّنوب، ولا يملك نفسه عند غضبه؛ أفنى خلقا كثيرا، وأقام هيبة عظيمة. وكان مع طعيانه المستمرّ وفتكه، وسفكه للدّماء، وظلمه، يركب وحده تارة وفى الموكب أخرى، وفى المدينة طورا وفى البرّيّة آونة، والنّاس كافّة على غاية الهيبة له والخوف منه، وهو بينهم كالأسد