فلمّا طال مقام الفرنج عليها راسلوا أحد المستحفظين للأبراج، وهو ذراد، ويعرف بروزبة «١» ، وبذلوا له مالا وإقطاعا، وكان يتولى حفظ برج يلى الوادى، وهو مبنى على شباك فى الوادى.
فلمّا تقرّر الأمر بينهم وبينه، جاءوا إلى الشباك ففتحوه ودخلوا منه، وصعد جماعة كثيرة منهم بالحبال، فلما زادت عدتهم على خمسمائة، ضربوا البوق وذلك عند السّحر وقد تعب الناس من كثرة السهر والحراسة، فاستيقظ ياغى سيان وسأل عن الحال فقيل له: هذا البوق من القلعة، ولا شك أنها قد أخذت. ولم يكن من القلعة وإنما من ذلك البرج. فداخله الرّعب؛ ففتح باب البلد وهرب فى ثلاثين غلاما، وجاء نائبه ليحفظ البلد، فقيل له: إنه قد هرب، فخرج من الباب الآخر هاربا. وكان ذلك إعانة للفرنج، ولو ثبت ساعة لهلكوا.
ثم إن الفرنج دخلوا البلد من بابه، ونهبوا وقتلوا من فيه من المسلمين.
وأما ياغى سيان فإنه لما طلع عليه النهار رجع إلى عقله وكان كالولهان.
فرأى نفسه وقد قطع عدّة فراسخ؛ فقال لمن معه: أين أنا؟ فقالوا: على أربعة فراسخ من أنطاكية. فندم كيف خلص سالما ولم يقاتل حتى يزيلهم عن البلد أو يقتل.
وجعل يتلهّف على ترك أهله وأولاده والمسلمين، ويسترجع؛ فسقط عن فرسه لشدة ما ناله، وغشى عليه. فأراد أصحابه أن يركبوه فلم يكن فيه