وكان ابتداء مرضه يوم السّبت سادس عشر صفر؛ ونال المسلمون لوفاته من الألم ما لا يعبّر عنه. ولمّا مات دفن بقلعة دمشق فى منزله؛ وما زال ابنه الأفضل يتروّى فى موضع ينقله إليه، فشرع فى بناء تربته عند مسجد القدم «١» وبنى عندها مدرسة للشّافعيّة. وأمر ببناء التّربة فى سنة تسعين وخمسمائة؛ فاتّفق وصول ابنه العزيز تلك السّنة من الدّيار المصريّة للحصار، فخرب ما كان قد ارتفع من البناء. ثمّ أمر بعمارة القبّة فى حدّ جامع دمشق، فعمّرت ونقل إليها يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة؛ ومشى الأفضل أمام تابوته وأخرج من باب القلعة على دار الحديث إلى باب البريد، «٢» وأدخل منه إلى الجامع، وصلّى عليه قدّام باب السر، صلّى عليه القاضى محيى الدّين محمّد بن على بإذن الأفضل. ثم حمل إلى لحده، وألحده الأفضل وجلس فى الجامع ثلاثة أيام.
وكان الملك النّاصر رحمه الله كريما جوادا شجاعا، حسن الأخلاق، مضت أكثر أيّامه فى الجهاد فى سبيل الله تعالى.
قال ابن شدّاد: لمّا مات السّلطان لم يخلّف فى خزائنه من الذّهب والفضّة إلا سبعة وأربعين درهما ناصريّة وجراما «٣» واحدا ذهبا صوريّا، ولم يخلّف ملكا فى سائر أنواع الأملاك. وحسب ما وهبه من الخيل فى مدّة مقامه على عكّا فكان تقديره اثنى عشر ألف رأس؛ ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود به، وصاحبه يلازمه فى طلبه؛ وما حضر