وزحفت الخطوب إليه زحفا، وصار للوقت دكا دكّا. والناس حوله صفّا صفّا. هذا، ولسان النار يقول: هل من مزيد؟ ومدامع الخلق تهمى وتزيد، فعلت الأصوات عند ذلك بالدعاء، وكاد اللهب يخمد من جريان ماء البكاء، وشهد الناس منه اليوم المشهود. وهبّت الأرياح فلم تخمد للأرواح ضراما، وخالفت هذه النار نار الخليل «١» ، فلم تعقب بردا وسلاما! فكلّ مالك لموضع صار فيه «مالكا «٢» » . وكلّ ذى حال حسنة حاله حالكا. فمن فائز بنفسه دون نفائسه، ومن راغب فى هربه لشدة رهبه، ومن آبق «٣» بمرده «٤» دون أهله وولده. قد لزم كل منهم ما يعنيه، وعمل بقوله عز وجل:«يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه» . فإنا لله وانا اليه راجعون، ولأمره طائعون.
لا صادف لمصادف قضائه، ولا صارف لصرف بلائه.
لم يبق هذا المصاب لهولاء القوم جلدا، ولم يؤخّر عنه حزنا ولا كمدا.
وكلّ أحد منهم يقول: أهلكت مالا لبدا «٥» . فكم من كريم كان يجزل الهبات فصار جديرا بأن يتصدّق بها عليه. وكم من مموّل كان يؤدى الزكاة فصار مستحقا بأن تصرف إليه. كانوا أعزّاء فى الغربة بأموالهم، فصاروا