١٣- نار القرى. وهى من أعظم مفاخر العرب. كانوا يوقدونها فى ليالى الشتاء، ويرفعونها لمن يلتمس القرى. فكلما كانت أضخم وموضعها أرفع، كان أفخر.
وهم يتمادحون بها، قال الشاعر:
له نار تشبّ بكلّ واد ... إذا النّيران ألبست القناعا.
وقال إبراهيم بن هرمة:
إذا ضلّ عنهم ضيفهم، رفعوا له ... من النار فى الظّلماء ألوية حمرا.
١٤- وكانت للعرب نار عظمى تسمّى نار الحرّتين. وهى التى أطفأها الله تعالى بخالد بن سنان العبسىّ. وكانت حرّة ببلاد عبس، تسمّى حرّة الحدثان.
روى عن ابن الكلبىّ أنه قال: كان يخرج منها عنق فيسيح مسافة ثلاثة أو أربعة أميال، لا تمرّ بشىء إلا أحرقته. وأن خالد بن سنان أخذ من كل بطن من بنى عبس رجلا فخرج بهم نحوها، ومعه درّة حتّى انتهى إلى طرفها، وقد خرج منها عنق كأنه عنق بعير فأحاط بهم، فقالوا: هلكت والله أشياخ بنى عبس آخر الدهر! فقال خالد كلّا! وجعل يضرب ذلك العنق بالدّرّة ويقول: «بدّا بدّا، كلّ هدى الله يؤدّى! أنا عبد الله خالد بن سنان!» فما زال يضربه حتّى رجع، وهو يتبعه والقوم معه كأنه ثعبان يتملك حجارة الحرّة حتّى انتهى إلى قليب، فانساب فيه وتقدّم عليه، فمكث طويلا. فقال ابن عم لخالد، يقال له عروة بن شب: لا أرى خالدا يخرج إليكم أبدا! فخرج ينطف عرقا، وهو يقول: زعم ابن راعية المعزى أنى لا أخرج. فقيل لهم بنو راعية المعزى إلى الآن.
وفى هذه النار يقول الشاعر:
كنار الحرّتين لها زفير ... تصمّ مسامع الرجل السّميع.